27‏/11‏/2010

مصانع الأجيال

 كلّما حملت حقيبة ابني الصغير صباحاً لأعطيه إياها يحملُها على ظهره , حِملاً ثقيلاً من الكتب يعجز عن حمله الكبار تألمت وزادت في قلبي الحُرقة , يالِ هذه العقول التي يخالونها أوعيةً ويحاولون زجّ شتى أنواع المعارف بها ... يالِ أمةٍ تخال التعليم بحجم الكتب وعدد صفحاتها ووزنها  ...
كلما زرتُ ابني في مدرسته وذهلني ما تُنفق المدرسة على المظاهر الكذابة من تجميل  أسقف المدرسة وأرضيتها وطلائها وما تتزين به الجدران من صور ووسائل عُلّقت عالياً بعيداً عن متناول الطلبة وأعينهم واستخدامهم وتمثّلهم لها .. ثم تفاجئني أصوات ... كلماات .. تصرفات ...  أبعد ما تكون عن التربية وأغرب ما تكون عن التعليم ,, تألمت ...
لستُ أعمّم .. لأن التعميم مفسدة وظلم قائم , لكنني انتقد واقعاً قائماً تحوّلت فيه عقول الطلبة إلى أوعية وعليها أن تستوعب المواد الدراسية وما تحويه من كمّ معرفيّ ضخم وهائل .. على المعلم أن يقطع منهاجه الضخم وفي ذات الزمن المقرر وإلا ... وعلى الطالب أن يسترجعه  " حرفيّاً "  وقت الامتحان وإلا ...
" العلامة " الهدف المقدّس الذي يسعى طلبتنا وذويهم لنيله , ومدارسنا المبجّلة تعقد اجتماعات أولياء الأمور بعد كلّ فترةٍ تقويمية / امتحان / لأن الغرض من لقاءات أولياء الامور هو السؤال عن " العلامات "  والعلامات فقط وليس أيّ شيء آخر .. وهذا واقعي , فالعلامات جسر الدخول إلى الجامعات فنحن لم يعد مطلبنا أن تكون مدراسنا مصانع للأجيال تُسهم ببناء الشخصية وترقى ببناء الأطفال نصف الحاضر وكلّ المستقبل , النواة الحقيقية  للتغيير بل مطلبنا  أن ننتج نواة ذات معدلات تتنافس لدخول الجامعات ...

هناك 26 تعليقًا:

  1. صدقت والله، وإني أرى أن العلم صار علامات فقط، ولم يعد كسب واجتهاد لتكوين إنسان واعي ومثقف يعود على مجتمعه بالإيجاب..
    شكرا لك على الموضوع.

    ردحذف
  2. في إحدى البلاد الغربية يحمل الطفل معه إلى المدرسة الأشياء التالية:
    ١) حقيبة صغيرة تحتوي على وجبة الغداء.
    ٢) مطرة (قنينة) ماء.
    ٣) قصة (كتاب صغير) استعاره من أو بصدد إعادته إلى المدرسة بعد أن انتهى (أو سئم) منه.
    ٤) دفتر صغير مرافق للقصة يعلق فيه الأهل على قراءة الطفل لتلك القصة.
    ٥) دفتر الوظيفة الأسبوعية يستلمه الطفل مع الوظيفة الجديدة يوم الجمعة و يعيده للمدرسة لتصحيحه يوم الأربعاء (الوظيفة الأسبوعية يجب أن لا تتعدى النصف ساعة مع الطفل الشاطر و ساعة مع الطفل الأقل حظاً!).
    ٦) يأخذ إلى المدرسة ملابس الرياضة يوم الإثنين و يعيدها إلى البيت يوم الجمعة.

    هذا مايحمله الطفل حتى نهاية الصف السادس.

    آه صحيح كدت أنسى، يُطلب من الطفل في أيام معينة إحضار لعبة أو أي شيء آخر للتحدث عنه أمام الأطفال.

    يوجد في ذلك البلد إمتحانات عامة على مستوى البلد قرب نهاية الصف الثاني الإبتدائي (هو في الحقيقة لتقييم المدرسة أكثر منه لتقييم الطفل!) ثم في الصف السادس ثم التاسع ثم الإمتحانات الثانوية الأخيرة.

    عندما بدأ الأطفال ينضغطون من جراء هذه الإمتحانات و من أجل الحصول على العلامات (كما عندنا) قام مجموعة كبيرة من مدراء المدارس بالإتفاق على مقاطعة هذه الإمتحانات خلال العام الماضي للضغط على الحكومة لإلغائها كلها أو إلغاء معظمها، و هكذا كان، و أظنهم ينوون عمل الشيء نفسه هذا العام إن مضت الحكومة قدما في نفس السياسة.

    المهم خريجي مثل هذا النظام المهلهل و الغير جدي (حسب مواصفاتنا المدرسية) هم من يطورون العلم و التكنولوجيا في العالم و هم من نأتي بهم كخبراء ليحلوا لنا مشاكلنا

    ردحذف
  3. في ذلك البلد الذي تكلم عنه صالح ,
    ذات يوم, وقبل نهاية العام الدراسي بشهرين تقريباً وصلتني رساله من مدرسه اولادي يسألونا فيها ىاذا كنا نرغب ان يترفع الاولاد الى الصف الذي يليه !!! بعد الدهشه والاستفسار من معلمتهم,اجابتني نعم...بأمكانهم ان يبقوا في ذلك الصف عاما آخر ان كنت لا اعتقد ان اولادي مؤهلين لصف اعلى...وذلك لتقويتهم اكثر قبل الانتقال الى ضغوطات جديده و مناهج اصعب...حتى لو كانت علاماتهم تسمح بانتقالهم...فليس المهم ان نضغط على الطفل لتجاوز المراحل الدراسيه بسرعه...المهم ان يستفيد من كل مرحله الاستفاده القصوى...هذا من وجهة نظرهم في ذلك البلد...وهذا متاح للجميع وليس للاطفال الاجانب وحسب و هذا يتم بناءاً على رغبة الاهل وامتنانهم وليس كعقاب للطفل على سوء تحصيله كما يحصل عندنا.

    نهارك نور

    ردحذف
  4. أنا عندما أقارن بين أبني و بيني , أجده أكثر حظا مني , لأن الكثير من المعلمين الأن مؤهلين و مدربين , لكن على ايامنا كان الموضوع اسوأ بكثير

    ردحذف
  5. التعليم بكافة أشكاله مهان عندنا، المشتغل بالعلم شخص غير مرغوب فيه و أصلا ً غير مؤهل -للأسف-

    ننفق جلّ الموارد على المظاهر و نتناسى الجوهر....

    العلامة غير معبّرة لأنها غير واقعية و لا يتم قياسها بشكل صحيح (كله استظهار ليس إلا)

    * ما المانع أن يتم إبقاء الكتب في المدرسة؟! آآآآآه ذاك غير ممكن لأنها .... ستسرق! :(

    ردحذف
  6. تدوينتك ع الوجع يا غالية ,,
    يريدونها مصانع " للهبال" ! للأسف معظم المناهج الدراسية ناشفة و بتوقف بالحلق !! والمعلم-ـة يقتصر دورهم على تنشيف ريق الطلبة بالحفظ والبصم على الورق .. و بعد الاختبار يقول الطالب " الحمدلله زال الغبار" !!
    أغلب المدارس يُصرف على صفوفها و ساحتها الخارجية أكثر مما ينبغي أن يصرف لتأهيل معلمين و معلمات أكفاء ,,
    بتعرفي .. أحيانا بحس أني ببورصة و مش بجامعة لأنو مثل ما ذكرتي " العلامات ثم العلامات" و للعلم , لا يوجد حتى مكتبة ترجع لها الطالبات ! ..
    الأمر معقد و يحتاج لأرادة قوية للتغير ,,

    مساؤك طيب ولك وردة من أرض فلسطين (:

    ردحذف
  7. السلام عليكم حقا التعليم اليوم أصبح كميا يعتمد على التلقين وحشو المعلومات ولا يهتم في الكيف إطلاقا والمعيار هو العلامات فقط..أنا أعمل في سلك التعليم وأرى الملل وكره العلم في عيون الطلاب والطالبات كل لحظة ولكن ما في اليد حيلة المنهاج الدراسي خطة مفروضة من قبل الوزارة..لناالله
    تحياتي لك نور وللجميع يشرفني الانضمام لكم وكما يشرفني زيارتكم لمدونتي المتواضعة

    ردحذف
  8. أبو حسام الدين
    هذا هو الواقع المؤسف , أن يفقد التعليم رسالته السامية ...

    أهلاً وسهلاً بك ... يشرّفني حضورك
    دمت بكل خير

    ردحذف
  9. saleh
    كل الشكر لك , المعلومات القيّمة التي قدّمتهاأثرت الموضوع بطريقة رائعة ,
    اسمح لي بمداخلة بسيطة , ربما "أصحاب النظام المهلهل والغير جدي حسب مواصفاتنا " والذين تحدثتَ عنهم أخي صالح اسستندوا في نظرياتهم التربوية وربما جلّ نظرياتهم في سائر العلوم إلى نظريات علماء عرب مسلمين ومشارقة وخرجوا لنا بنظريات بمسميات أسموها بأسماء جديدة وقوالب جديدة وعادوا إلى بلادنا ليعلمونا إياها فهم خبراء بها ونحن جهلة وجحر الضب مصير كلّ أمة تخلّت عن مكتسباتها .

    كل الشكر لك صالح ولوجودك ولكلماتك وأهلاً وسهلاً بك
    دمت بكل خير

    ردحذف
  10. naysan
    أهلاً بكِ نيسان , وكلّ الشكر لكِ للمعلومة ,,,
    وهم يفعلون ذلك لأنهم آخر ما يفكّرون به " العلامة " والترفيع .
    وللعلم يوجد ضمن أنظمتنا التربوية - إعادة الطالب للصف بناءً على رغبة الأهل . لكن نحن اجتماعياً لا نرتضي لانفسنا أن نأخذ قرار أن يعيد أبناؤنا صفّاً من الصفوف إن لاحظنا عدم تمكنهم من مهاراته الأساسية , بل بودّنا دوماً إلى نسعى إلى محاولات تسريعه والقفز عبر المراحل واستباق الزمن - وإن كان غير جدير بذلك - للعبور إلى الجامعة و من ثم سوق العمل - إن فَلَح طبعاً -

    شرّفتيني يا غالية
    دمتي بكل خيــــر

    ردحذف
  11. يوميات شحات
    اهلاً وسهلاً بك
    شرّفتني بالزيارة

    ربّما باختلاف الزمان والمكان والظروف المادية المتعلقة بالتعليم وعند إجراء مقارنات نلمس فروقاً ..
    لكن المحكّ الحقيقي " التعليم كرسالة سامية " ثم " "التعليم في تطور مجاراة للعصر "

    أهلاً وسهلاً بك
    دمت بكل خير

    ردحذف
  12. هيثم
    مساء الخير وأهلا بك
    التعليم مهان والمكانة الاجتماعية للمعلم أنّى يستردها ؟؟؟؟
    العلامات غير حقيقة .. المعلمون غير مؤهلون ولا يتقنون فنون التقويم .. معك تماماً
    وسرقة الكتب ... مشكلة مستعصية ..!!!!

    أشكر مداخلاتك هيثم
    كلها على الوجع
    دمت بكل خيـــــر

    ردحذف
  13. Bullet
    اسمحي لي أن أنحني إجلالاً لتلك النسيمات المقدسة العابرة من هناك
    وأشكرك جزيل الشكر على أجمل الهدايا
    كل الشكر لكِ يا غالية

    "
    مصانع الهبال ... ونحن بعون الله نريدها مصانع الأجيال وسنعيدها بالوعي والإيمان كذلك

    لكِ كل الاحترام والتقدير
    دمتي بكل خيــــر

    ردحذف
  14. زينة زيدان
    أهلاً وسهلاً بكِ
    يشرّفني وجودك
    ويسعدني أن أزور مدونتك إن شاء الله

    الطلاب يا زينة اصبحوا يكرهون المدرسة والمدرسون لانهم يكرهون المناهج المكتظة ومطالبتهم بالحفظ الصم والاسترجاع وقت الامتحان .. أصبح المُدرّس والمنهاج كابوس يؤرقهم ..
    " بس لا تزعلي ,, انتي هلأ كابوس "

    نعم .. كما تفضلتي , المنهاج من الوزارة وما باليد حيلة .. ربنا يُبدل الحال بأحسن

    مساء الورد وشرفتيني
    دمتي بكل خير

    ردحذف
  15. متزكره منظر أستازي أول يوم وصل أبنه للمدرسة
    بجد حسيته موجوع وصار يحكيلي إنو إبنو صار يبكي ومابدو يروح للمدرسة وبين فترة وفترة بحكيلي عنو
    مش طبيعي هاد الموقف . إنو بجد غريب
    وبالنسبة للكتب الله يدرى في العالم وشو بتفكر

    ردحذف
  16. وضعت كلمة التربية قبل التعليم لان من المهم ان ينشا
    الطفل على التربية الاخلاقية بجانب التعليم ولكن
    اصبح كل شىء تهتم بة المدرسة هو مستوى الطالب وليس
    اخلاقة او تصرفاتة كل شى ء اصبح فى المدرسة الان مزيف
    يهنمو ان يزينون الفصول ولا يهتمو ان يزينو العقول
    بالاخلاق والمبادىء
    بجد موضوع جميل وطرح اجمل سعدت بمعرفة مدونتك ومتبعاكى

    ردحذف
  17. نورنياتي
    صباح الورد وأهلاً وسهلاً بكِ
    دموع أبنائنا الطلبة ورفضهم للمدرسة يحتاج أن نعيد النظر في فلسفة مدارسنا التربوية وتلك الأساليب والاستراتيجيات التي تتبعها مدارسهم لا شك ...

    شرّفتيني يا غالية

    ردحذف
  18. صباح الورد هبة
    أعجبتني عبارة " زينة الفصول لا زينة العقول " وهذا ما جعل الأجيال في انحدار

    كل الشكر لوجودك ولحضورك
    دمتي بكل خير

    ردحذف
  19. السلام عليكم ورحة الله
    للأسف صدقت في طرحك والتعليم فقد مصداقيته ورسالته الأساسية وصار مجرد مظاهر وامورا سطحية وتعب زائد على الطفل والاسرة دون مردودية تذكر
    بارك الله فيك يا طيبة

    ردحذف
  20. نتحدث كثيرا عن المشكلة ولكن أين الحل؟؟

    ردحذف
  21. حلم
    وعليكم السلام
    اهلاً بكِ شرّفتيني
    نعم يا حلم .. والمردودية الحقيقية التي ننتظر " إنسان " ليس أكثر , على اعتبار أن التعليم " رسالة "
    أشكر مرورك يا غالية

    ردحذف
  22. Rana Al Sha'bani
    اهلاً وسهلاً بكِ ومرحباً
    شرّفتيني
    يا عزيزتي أن نتحدّث ونصل إلى مراحل من الوعي بالمشكلة هذه أولى الخطوات نحو حلّها ... التغيير يبدأ بـ " أنا " والانطلاقة تبدأ من الذات .. ومعاً نتطارح الأفكار لنصل إلى الحلول ,,,

    أهلاً بكِ أسعدني حضورك الكريم

    ردحذف
  23. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    أتمنى أن تقبلوني ضيف خفيف في مدونتكم

    تقبلو سلامي و تحياتي و مروري اخواني الأعزاء

    ردحذف
  24. مدونة الأمل
    وعليكم السلام ورحمة الله
    أهلاً وسهلاً بكم ومرحباً
    أتشرّف بكم
    نوّرت المدونة أخي الكريم

    ردحذف
  25. يبدو ان المنظومة التربوية خربانة بكل مكان لاحول ولا قوة الا بالله
    الغريب في الامر انهم يجبلون تاجرب للغرب وهي لاتصلح لنا
    والمخجل انهم لايطبقوها صح

    شكرا ليك عزيزتي نور

    ردحذف
  26. @ كوني طيبة
    اهلاً وسهلاً بكِ ومرحباً تشرفت بزيارتك
    دائماً نسعى نحو الأفضل
    ونسأل الله أن يُبدل الحال بأحسن حال
    دمتِ بكل خيـــر

    ردحذف