28‏/12‏/2010

سأجدهما يوماً

صغيرٌ لم يلحظْ من الحياة إلا كثيراً من المشاهد المتداخلة , حنانٌ قاسٍ  قدّمه أبٌ متلسّط على طبقٍ من جبروت فاحتضنته أمٌ حانية وبيدين مرتجفتين لتقدّمه  قسراً وجبةً شهيّةً لابنها الجائع وما باليد حيلة ,
أغلق الصغير فمه ودموعٌ تنهمر بصمتٍ تسقى أرضهم الظمآى
- وشوشات  هاجت  من حنجرتها الكئيبة : كُلْ وإلا جعلَ حياتنا جحيم .
- تَخِمْتُ مِنْ قسوتكم , ما عاد لديّ متسع


يعلو صوته من بعيد , صوت المذياع يصدحُ بأغنياتٍ رومانسية ..
- يا امرأة , ما بَالُه  ...؟؟
- لا شيء , هو بخير , بخير , سآتيك يا سيد الرجال , انتظر قليلاً ..
تترك طفلها .. تُشيح بوجهها متبرمةً وبخفّة تعدو نحوه
يعلو صوت " سي السيد " مزمجراً : يا " حُرمة ", قلت لكِ أكثر من مرة لا أحبّ أن تتأخري في إعداد الغداء , سأتأخر في تقديم وجبة السبيل للمسجد ,
ترفع بصرها نحوه , ولم تنبس ببنت شفة بعد , يسارعها بيده لتنال منها , قلتُ لكِ أكثر من مرة , المرأة التي ترفع عينها في زوجها  ناشز .. لا تحاولي الدفاع عن نفسك ...
 عينُ الصغير تَرقبُ الحدث بألم ترصد الأحرف والكلمات والصور وتُسجّل نقمتها والمزيد من الوجع ..
تفوح رائحة نفاذة ... يعلو صراخه مجدداً ... أيتها المهملة , أنتِ أمّ فاشلة وزوجة فاشلة  , من قال أنكِ لستِ بناشز , احترقت " الطبخة  " ,,,
ركض إلى المطبخ لينقذ ما يمكن إنقاذه ,,, عاد مزمجراً , ماذا سآكل اليوم ؟؟ ماذا سيقولون في المسجد ؟؟ وانهال ضرباً ...وهي تتلقى الضربات بفمٍ مطبق ويدين مُستسلمتين .. 
وعندما نال منها الألم وفقدت قدرتها على الاحتمال , انطلقت منها صرخة قوية :  لا أريدك سأترك لك البيتَ والولد وأغادر , لا أريدك وحتى الولد الذي يجمعنا سأتنازل لك عنه ,  لا أريده ..
 لحظة صمت ... شعرا بـ خُطىً تغادر المنزل  وخيالٌ يُلملمُ ذاته ويرحل 
انطلقا باتجاه الباب ..
صغيرهما تملأ عينيه دموع يتسلل حاملاً معه حزنه وخيباته وكثيراً من الفوضى والضياع
إلى أين ستذهب يا ولد ؟؟ صاحَ الأب
بحزنٍ وحشرجة  : دعوني وشأني ,
سأبحث عن أبي وأمي لا شك أنني سأجدهما يوماً في هذا العالم الواسع .

هناك 30 تعليقًا:

  1. نور عزيزتي

    لكم هو مرير هدا الواقع
    أخطاء الكبار يحصدها الصغار
    كلماتها
    "بأنها ستتنازل عن الولد الذي يجمعهما"
    ما أقساها
    لكن صغيرنا كان الاشجع
    غادر كوخهم الذي يحوى الهموم
    واتجه نحو عالم اوسع
    لكن للاسف سيكون أفظع
    ....
    موقف الصغير حمل المواجهة
    لكن المواجهة حملت في طيها هروب
    تحياتي لك صديقتي
    وللجميع

    ردحذف
  2. لن يجدهما أكيد
    غابت الروح فغاب معها الوالدان
    لا حول ولا قوة الا بالله

    ردحذف
  3. لا حول و لا قوة الا بالله
    و حتى إن وجدهما فما نفعهما إن كانا سيكسرا شخصيته منذ الصغر
    الفاجعة هي ما سيؤول إليه في كبره
    الله يجازي من كان السبب
    دمت بود
    كنت هناك
    www.MRsimo.tk

    ردحذف
  4. شجاعه كبيره ...اكبر من عمر الصغير بكثير

    ردحذف
  5. رائعة كلماتك رغم مابها من آلم والدليل أنه آلمتني كثيراً
    ولكن ..هل هذه اثورة ظهرت فجاءة ودون مقدمات فمنذ لحظات كانت تنعته بسيد الرجال والآن هي تصرخ وتثور وتترك البيت ...
    استهجنت كثيرا أن تترك الأم طفلها ...لم يكن هناك داعي أبدا...أم انك أردتي ان تصلي النقطة التي يثور فيها الطفل هو الآخر ...وينطق بكلمات أكبر منه
    اللغة جيدة جداً
    دام قلمك مبدعاً

    ردحذف
  6. هاد بسميه إغتصاب الطفولة
    بكل ما تحمله كلمة إغتصاب من قرف

    ردحذف
  7. @ زينة زيدان
    صدقتِ يا غالية .. أخطاء الكبار يحصدها الصغار
    وهم بذلك يكبرون قبل أوانهم

    والمواجهة .. تحمل بين طيّاتها هروب ,,,
    أشكر لك مروركِ وقراءتك وتعليقكِ الذي أسعد به دوماً

    كل المحبة

    ردحذف
  8. @ سناء المغربية
    تشرفت بزيارتكِ الأولى
    أهلاً وسهلاً بكِ ومرحباً
    لن يجدهما أبداً .. أوافقكِ القول
    مات في قلبه الإحساس بوجودهما ...

    كل الشكر لكِ
    دمتِ بود

    ردحذف
  9. @ simo boura
    أهلاً بك أخي الكريم
    كما تفضلت .. وجودهم كسر شخصيته منذ الصغر

    أهلاً وسهلاً بك
    دمت بكل خيــر

    ردحذف
  10. @ naysan
    مساالخير يا غالية
    ربما قسوة الظروف تجعل الصغار يكبرون قبل أوانهم
    ويفعلون أشياء نقف نحن مكتوفي الأيدي بلا حراك من هول الصدمة لما يحدث ..

    القصة حقيقية بكل التفاصيل التي اختصرت فيها كثير مما حدث ...
    دمتِ بكل خير
    محبتي الخالصة

    ردحذف
  11. @ Hu-man
    أهلاً وسهلاً بك أخي الكريم في زيارتك الأولى التي تشرفت بها..
    الروعة وجودك يا طيب .. والألم واقع القصة للأسف والذي حدث ولازال يحدث ..

    الثورة لم تظهر فجأة .. ولم يكن الصبر والرضا من قِبل الام بقدر ما كانت محاولات التصبر وضبط النفس والاستسلام التام والتي لم تعد تطيقها إلى ان وصلت مراحل الانفجار ومرة واحدة وإثر موقف اعتيادي وقد يتكرر ..
    تصبّر الأم كان لأجل الابن - وهذا واقع الامهات عادةً - وقرار تركه كان آخر مراحل نفاذ الصبر على الزوج .

    أشكر وجودك
    دمت بكل خيـــر

    ردحذف
  12. @ نورنياتي
    مساء الخير
    نعم غاليتي
    اختصرتي كل ما أريد بجملة .. (اغتصاب الطفولة )

    أشكر لكِ وجودك
    دمتِ بكل خير
    مودتي

    ردحذف
  13. ااغالية نور
    قصة تساوت جماليتها وقساوتها فعندما نتعرض للعنف نعتقد ان كا قد يحرننا من الالم هو باب نفتحه ونرحل بعيدا لدرجة اننا نبتعد حتى عن فلذات اكبادنا
    ليس السؤال هنا ان كان سيجدهما ام لا فعادة عندما تضيع من الاشياء الثمينة لا نبحث لنجدها وانما لنوهم انفسنا اننا قد نجدها يوما وما ضاع هنا هو الامان والاستقرار والالفة والسكينة
    سلوبك رائع غاليتي وتصوير مميز للمشهد رغم قتامته ربما لان عنوان مدونتك هو
    ويبقى الامل

    ردحذف
  14. @ حلم
    اهلا بكِ يا غالية
    الروعة تواجدك هنا " حلم " وقراءة أحرفك عبر صفحاتي ..

    احياناً عندما تصل المرأة إلى مراحل نفاذ الصبر قد تفتح باب الألم وترحل وتبتعد عن فلذة كبدها وإن كان في بعدها موت بطيء لها , لان بقاءها موت أسرع لها ولفلذة كبدها في آن واحد ..

    أشكر مداخلتك الجميلة
    دام حضوركِ
    مودتي

    ردحذف
  15. في البداية كنت اركز مع مصير الام لكني في الاخير وجدت نفسي افكر بالولد لانه الخاسر الاكبر هنا
    في كثير من الاحيان وعندما يسيطر علينا الحزن و الالم لانجد الا الهروب كمنفذ للتخلص مما نحن فيه ومن الناس الذين فرضوا علينا فرضا لنكون معهم
    كلماتك معبرة جداا
    موفقة عزيزتي نور ،، تقبلي مروري

    ردحذف
  16. قد تكون القصة من وحي الخيال، ولكنها رمز لعديد من الأحداث الواقعية التي تكون فيها عدم الموازنة في الحياة الزوجية سببا رئيسيا في هدم البيت.
    حقا في القصة اللوم يقع على الأب العاتي الجبار، ولكن هذا لا يجعل الزوجة بريئة برأة ثامة، لأن تنازلها عن ولدها نزع عنها صفة الأمومة، وكما نعلم أن الأمومة تضحية!!!
    نعم الزوجة ضحية ولكن الضحية الحقيقية في هذا الموقف هو الإبن الذي لا حول وله ولا قوة.
    تبقى النقطة التي عليها مدار القصة هل سيجد أبوان؟
    أظن أنه سيجدهما، ذلك أن نعمة الأولاد حرم منها الكثيرون ونالها الكثيرون، والمحروم هو فقط من يدرك عظم هذه النعمة.
    دمت بخير

    ردحذف
  17. سأبحث عن (قلبِ)و (عقلِ) يحويني ..
    عن صدر ليضمني , ليس ليكويني ..
    عن حبِ عن صدقِ ينمو بأيام سنيني..
    دعيني يا دنيا لا تصفعيني ..
    أنا مع (الطفل)وسأبحث معه ايضا !

    اشتقتُكِ واشتقت أن اتواجد هنا (:

    ردحذف
  18. العنف بشكل عام، و العنف الأسري بشكل خاص شيء مقيت، و على الرغم من يقيني و (يقين بطل القصة) أنه لن يجدهما إلا أن الأمل دائما يعمل المعجزات، فمن يدري!؟

    قصة رائعة و معبرة، شكرا لمشاركتنا بها.

    ردحذف
  19. @ كوني طيبة
    أهلاً بك يا طيبة
    الابن هو الخاسر الأكبر , صدقتِ يا غالية
    والهروب من الألم كان منفذاً ليتخلص من الألم ,,
    أشكر لك مداخلتك الطيبة
    دمتِ بكل خير
    مودتي الخالصة

    ردحذف
  20. @ أبو حسام الدين
    أهلاً بك ومرحباً
    الابن هو " الضحية الحقيقة " نعم أخي الكريم وهو مَن دفع الثمن ...
    وكثير من البيوت تُهدم ليكون ضحيتها " أحباب الله " يضيعون بين بيتين أو يبقون في ذات البيت يشهدون قسوته وهو ينهار بصمت دون إعلان ..
    أو ربما يؤول بهم المطاف إلى أسرة بديلة ربما تغنيهما عن الأسرة الأصيلة ..

    أشكر لك تحليلك ومداخلتك الطيبة
    دمت بكل خير

    ردحذف
  21. @ Bullet
    يا غالية .. عقل وقلب وروح وصدر حنون
    في صورة " إنسان "
    وكفى ...

    يسعدني وجودكِ دوماً
    اشتقتكِ واشتقت ان ألقاكِ هنا
    محبتي

    ردحذف
  22. @ Saleh
    أهلاً بك ومرحباً
    ... الأمل دائماً يعمل المعجزات ...

    نعم أخي الكريم ...
    أشكر لك حضورك
    دمت بكل خير

    ردحذف
  23. :أني بي أسمعه ... "سأبحث عن أبي و أمي" :((((

    ردحذف
  24. @ هيثم الشيشاني

    اهلاً بك ومرحباً ,,,
    أشكر لك حضورك الكريم

    دمت بكل خير

    ردحذف
  25. الصراع الابدى بين الزوج والزوجة وخاصا لو كان مثل هذا الزوج فيتسبب الزوجين فى هروب الابناء والبحث عن غيرهم ليجدو الدفء والحب خارج المنزل
    مشكورة حبيبتى وكل سنة وانتى طيبة
    عندى ملحوظة بسيطة اين قائمة المتابعين لاستطيع معرفة اخر ما تكتبين وشكرا

    ردحذف
  26. اهنئك بمناسبة السنة الجديدة
    سائلا الله ان تكون سنة سعيدة مليئة بالافراح والمسرات
    لك مني اجمل التحايا وارقها

    ردحذف
  27. آخر جملة كتير مؤثرة ومحزنة :( يسلمو إيديك :)

    ردحذف
  28. @ هبة فاروق
    أهلاً بكِ يا غالية
    حقّاً إنه صراع ويؤدي إلى هروب الأبناء
    كل سنة وانتِ طيبة وينعاد عليكِ بالخير والصحة والمحبة إن شاء الله

    إن شاء الله
    دمتِ بكل خير يا غالية
    مودتي

    ردحذف
  29. @ عبدالله اومنار
    اهلاً بك أخي الكريم
    سنة جديدة سعيدة
    تنعاد بالخير والبركة إن شاء الله
    دمت بكل الخير

    ردحذف
  30. @ Rana Al Shabani
    أهلاً بكِ أختي رنا
    يسعدني حضورك
    دمتِ بكل خير
    مودتي

    ردحذف